خضعت العلاقة بين
حزب الله و
التيار الوطني الحر مؤخراً الى تأويلات واجتهادات كثيرة، ذهب بعضها الى حد الافتراض بان ورقة التفاهم الشهيرة التي نظمت هذه العلاقة منذ عام 2006 أصبحت "خارج الخدمة"، على قاعدة ان الخلافات المتراكمة حول التفاصيل الداخلية "قضمت" سطورها شيئا فشيئا، حتى فقد هذا التفاهم زخمه.
لا يخفي قياديو التيار والحزب وجود تباينات، ظهرت الى العلن خلال الفترة الاخيرة، وأثرت على "هورمونات" التناغم بين الطرفين، لكنهم يعتبرون ان هذه التباينات هي من النوع "الموضعي"، وانها لم تتجاوز الخط الاحمر، ولا تزال تحت السيطرة، ومن الممكن تنظيمها وإدارتها، بشكل يتيح الحد من آثارها على جسم العلاقة الثنائية.
وقد أعطى العماد ميشال عون شخصيا إشارة واضحة وبليغة الى استمرار المفاعيل الاستراتيجية للتحالف مع حزب الله بقوله انه لن يشارك في أي حكومة لا يدخل اليها الحزب، ما يضع حدا لكل السيناريوهات التي وجدت في انفصال مسارات التفاوض داخل 8 آذار مع الرئيس المكلف تمام سلام فرصة لاستفراد هذا او ذاك من مكونات الفريق المشار إليه.
والاكيد ان حزب الله بدوره لا يمكن ان ينضم الى اي حكومة يُستبعد عنها التيار الحر، منطلقا من ثابتة جوهرية لديه وهي ان حماية التفاهم مع عون تبقى أهم من أي مكاسب تكتيكية او ظرفية، وان الاجتهاد في دروب المسير أحيانا ليس على حساب وحدة المصير.
بهذا المعنى، يدرك الطرفان ان كلا منهما يحتاج الى الآخر، وان التحديات الوجودية التي تواجههما معا، بفعل تطورات المنطقة وخصوصا أحداث سوريا، لا تسمح بالذهاب بعيدا في ترف الخلاف على قضايا داخلية تظل- مهما كانت أهميتها- ثانوية قياسا الى المخاطر الداهمة. وأغلب الظن، ان الحزب والتيار يعلمان جيدا ان الخلاف على التمديد لمجلس النواب أو قائد الجيش ليس كافيا للتفريط بالقيمة المضافة التي صنعها التحالف بينهما، سواء على مستوى توازن القوى الداخلي او على مستوى تحسين شروط المواجهة مع اسرائيل.
وعليه، يعتقد العارفون ببواطن الامور انه مهما اتسعت مساحة التمايز، فإن الحزب والتيار ليسا بوارد إحالة ورقة التفاهم الى التقاعد، والأرجح انهما لن يقدما هدية مجانية الى خصومهما في الداخل والخارج، ولن يتطوعا لانجاز مهمة عجز هؤلاء عن تنفيذها برغم كل وسائل الترهيب والترغيب.
يدرك حزب الله والتيار الحر ان رأس التفاهم مطلوب منذ وقت طويل، وان دولا أجنبية وقوى داخلية نصبت له منذ ولادته كمائن متلاحقة، استطاع ان ينجو منها تباعا، وبالتالي إذا كان هذا الانجاز قد تجاوز في السابق اختبارات صعبة، ليست حرب تموز سوى عينة منها، فلن يكون من السهل لدى طرفيه القبول بان يسقط الآن في امتحان أقل صعوبة، قياسا الى ما مرّ عليه.
ويؤكد مقربون من حزب الله ان التحالف مع العماد عون لا يزال ساري المفعول، من دون ان يعني ذلك إنكار حقيقة ان هناك خلافات في وجهات النظر حول العديد من المفلفات الداخلية المستجدة، لان التحالف لا يعني التوأمة، وبالتالي فان كلا من الطرفين يحتفظ تحت سقف ورقة التفاهم بهامش من الخصوصية والتمايز، قد يضيق حينا ويتسع حينا آخر، تبعا لطبيعة اللحظة.
ويكشف هؤلاء عن ان تفاهما جرى بين حركة أمل وحزب الله والتيار الحر، على ان يتفاوض كل طرف مع الرئيس المكلف تمام سلام حول حصته في الحكومة المقبلة، بشكل منفصل، مشيرين الى ان هذا الأمر تم الاتفاق عليه بشكل حبي ورضائي، حتى وقبل ان تطرأ المواد الخلافية التي طفت على السطح في الايام الماضية.
ويشدد المقربون من حزب الله على ان "الاستقلالية" في التفاوض لن تقود الى التفرد في اتخاذ قرارات مصيرية، وبالتالي فان الحزب لا يمكن ان يقبل بتشكيل حكومة لا تضم التيار الحر، حتى لو وافق الرئيس المكلف على تمثيل الطائفة الشيعية بالطريقة التي يريدها ثنائي أمل وحزب الله.