الأسم : موسى
الأب : جعفر بن محمد الصادق، الإمام السادس عند الشيعة الإمامية
أشهر الألقاب : الكاظم
الكنية : أبو الحسن وأبو إبراهيم
محل وتاريخ الولادة : الأبواء في السابع من صفر سنة 128 ھ الموافق للسادس من شهر تشرين الثاني سنة 745 م
عمره الشريف : 55 سنة
مدة إمامته : 35 سنة
تاريخ وفاته : الخامس والعشرين من رجب سنة 183 ھ، الموافق للأول من شهر أيلول سنة 799 م
سبب وفاته : استشهد بالسم في سجن هارون الرشيد
مدفنه : مقابر قريش (حالياً: مدينة الكاظمية) بغداد، العراق
ولد الإمام موسى بن جعفر [ع] في منطقة تسمى الأبواء، منزل بين مكة والمدينة، من أم تسمى حميدة بنت صاعد، وهي أندلسية، يرجع أصلها الى بربر المغرب، وكانت مشتهرة بلقب (المصفّاة)، لقبها بذلك زوجها الإمام جعفر الصادق [ع] حين قال عنها: "حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب".
نشأ الإمام [ع] في كنف أبيه، وتولاه برعايته. فأبوه الإمام السادس من أئمة أهل البيت [ع] الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، والذي قال فيه الإمام أبو حنيفة، وهو قطب من أقطاب العلم وإمام أحد المذاهب الأربعة المعتمدة في العالم الإسلامي في الماضي والحاضر: "ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد".
وحيث أنه الإمام المعدّ ليخلف أباه، ظهرت عليه ملامح النبوغ والفطنة وهو صغير السن.
ذكرت المصادر التاريخية أنا أبا حنيفة سأله وهو صغير: "ممن المعصية؟"، وهي مسألة فلسفية اختلف فيها كبار الفلاسفة وكتبوا فيها الكثير من المباحث.
فأجابه [ع] على البديهة: "إن المعصية لا بد أن تكون من العبد أو من ربه أو منهما جميعاً. فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعله. وإن كانت منهما فهو شريكه؛ والقويّ أولى بإنصاف الضعيف. وإن كان من العبد وحده فعليه وقع الأمر؛ وإليه توجه النهي، وله حق الثواب العقاب ووجبت الجنة والنار".
أشهر ألقابه [ع] التي عرف بها هي: الكاظم. وكان يلقب أيضاً بالعبد الصالح، وفي المدينة كان يعرف بزين المتهجدين. أما بعد وفاته، فقد اشتهر بلقب غطى على بقية ألقابه وهو باب الحوائج، لما عرف به [ع] من الكرامات والمعاجز، والدعوات المستجابة.
اختلفت المصادر التاريخية في بيان عدد أولاده، وترددت جميعها بين ثلاثين، وسبعة وثلاثين، وأربعين، بين ذكور وإناث. وأشهر أولاده من الذكور هو
علي الرضا [ع]، الإمام الثامن الذي خلفه في منصب الإمامة، وهو مدفون في مدينة مشهد المعروفة في إيران. أما أشهر الإناث فهي
معصومة [ع]، وقد دفنت في مدينة قم في إيران أيضاً.
شهد الإمام الكاظم [ع] في حياته التي سبقت إمامته ألواناً من الظلم الذي كانت تمارسه السلطة العباسية ضد بني هاشم، وبالخصوص أهل البيت منهم. فقد شهد كيف يعامل المنصور أبناء عمومته من أبناء الحسن والحسين، وكيف كان يخضعون للتعذيب والتصفية الجسدية على يديه.
لقد كان المنصور من الخلفاء الذين عرفوا بالبطش والتنكيل بمناوئيه، حتى أن السيوطي قد ذكر في كتابه "تاريخ الخلفاء" أنه "قتل خلقاً كثيراً حتى استقام ملكه".
وكان من فنون القتل عنده أن يدخل مناوئه في إسطوانة البناء ثم يبني عليه وهو حي داخل الاسطوانة.
وقد آلت الأمور أخيراً الى قتل والده الإمام الصادق من قبل المنصور بالسم في عام 148ھ. لقد عاش الإمام [ع] كل تلك الأحداث، وتعامل معها بالصبر والثبات ورباطة الجأش، وكان جده الإمام الحسين [ع] في ذلك المثل الأعلى الذي يحتذي به.
تولى الإمام موسى بن جعفر مقاليد الإمامة بعد أبيه الذي استشهد عام 148ھ، في الشطر الأخير من حياة المنصور الذي توفي سنة 158ھ. وعاصر أيضا الخلفاء الذين تلوا المنصور، وهم المهدي والهادي والرشيد.
قام المنصور بعد قتله الإمام الصادق [ع] بمهادنة ابنه الإمام الكاظم، لكنه لم يكن بعيداً عن عينه وواصل متابعته. فاستثمر الإمام [ع] تلك الفرصة في التفرغ لإعطاء الدروس في المدينة ونشر العلم.
أما الخليفة المهدي الذي خلف المنصور في عام 158ھ، فقد أودعه السجن مدة من الزمن، ثم أطلق سراحه بسبب حلم رآه.
يقول المؤرخون أنه انتفض مرعوباً من نومه ذات يوم، وبعث الى وزيره الربيع وأمره بإحضار موسى بن جعفر [ع]، كما ينقل صاحب كتاب تاريخ بغداد وغيره عن وزيره الربيع.
فلما حضر الإمام [ع] قام له المهدي وعانقه وأجلسه، ثم قص عليه قصة الحلم الذي رآه. قال إنه رآى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ع] في المنام وهو يتلو عليه هذه الآية: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم). ثم طلب من الإمام عهداً أن لا يخرج عليه أو على أحد من ولده. فأكد له الإمام [ع] أن ذلك ليس من شأنه ولا يفكر فيه. فأطلق سراحه وأعاده الى أهله في المدينة.
ومضى عهد المهدي وتولى الخلافة بعده ابنه الهادي الذي انتهج كأبيه نهج القسوة واعتماد أسلوب القتل. واندلعت في زمنه ثورة فخ التي قادها الحسين بن علي، من ذرية الإمام الحسن [ع] عام 169ھ، والتي مثلت صرخة ضد ظلم العباسيين وطغيانهم.
ورغم الدعوة التي وجهها قائد ثورة فخ الى الإمام موسى بن جعفر [ع] للاشتراك في الثورة، إلاّ أن الإمام رفض الدخول فيها لعلمه مسبقاً بنتائج الثورة. فقد كان على يقين أن تلك الثورة ستجر على أهل البيت وأتباعهم المزيد من الاضطهاد وسفك الدماء، وستنتهي دون بلوغ الأهداف السامية في التخلص من الحكم العباسي وإقامة العدل، وحكم الله في الأرض.
وكان من عواقب فشل الثورة أن وجهت السلطة العباسية إصبع الاتهام الى الإمام بالتحريض والتخطيط لها. وقاد ذلك الى إيداع الإمام السجن عدة مرات، ثم التلويح بالقتل.
لم يدم عهد الهادي طويلاً. فتسلم أخوه هارون الرشيد زمام الأمور. وكان عهد الرشيد عهداً شديد الوطأة على أهل البيت وعميدهم موسى بن جعفر. لقد لخص الشيخ محمد حسن آل ياسين [رحمه الله] وصفه لذلك العهد بقوله: "وعلى كل حال، فإن المتفق عليه بين المؤرخين أن أيام الرشيد كانت أسوأ الأيام على الإمام إرهاباً وإرعاباً وسجوناً ومعتقلات، ويستفاد من مجموع كلماتهم وأقوالهم أن الإمام في عهد هذا الخليفة قد تكرر سجنه وإخلاء سبيله أكثر من مرة قبل سجنه الأخير الذي توفي فيه، كما يستفاد منها أنه حبس في البصرة مرة؛ وفي بغداد مرات، وأنه تنقل في حبوس عيسى بن جعفر؛ والفضل بن الربيع؛ والفضل بن يحيى البرمكي، ثم السندي بن شاهك في آخر المطاف".
ثم يذكر الشيخ [رحمه الله] في كتابه (الإمام موسى بن جعفر [ع]) ضمن سلسلته (الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام) إن أسباب تكرار حبس الإمام كانت مختلفة، وأولها كان في أول حج للرشيد بعد أن تولى الخلافة. وعندما ذهب لزيارة قبر الرسول [ص]، وقف أمام القبر الشريف وسلّم عليه قائلا: "السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا ابن العم!" مفتخراً بذلك على من معه بقرب نسبه من رسول الله [ص]. فما كان من الإمام موسى بن جعفر [ع] الذي كان حاضراً وقتها إلا أن سلّم على الرسول قائلاً: "السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبه!" فتغير وجه الرشيد على الفور، وبان الغيظ فيه. لكنه أراد أن يكبته، فقال للإمام [ع]: "هذا الفخر يا أبا الحسن حقاً!".
لم يكن موقف كهذا سهلاً على الرشيد. فقد كسر الإمام [ع] كبرياءه أمام حاشيته ورعيته، وقتل أمله في إثبات جدراته وأهليته في تولي منصب "أمير المؤمنين" و"خليفة رسول الله" للملأ المحتشدين حوله. فقد كان يأمل بإسماعهم أنه ابن عم رسول الله [ص] أن يروا فيه القريب الى رسول الله نسباً، وبالتالي فهو الجدير بتولي كرسي خلافته. لكن محاولاته في بناء هذه الفكرة في عقولهم خابت بعد أن بادره الإمام بإعلانه أمام الملأ نفسه أنه ابن لرسول الله، متحدر من صلبه، وأنه الأقرب رحماً برسول الله.
لا شك أن هذه الحادثة وغيرها تلتها خلقت تراكماً من الحقد قاد الى التخطيط لتغييب الإمام عن الساحة، وإقصائه عن الأمة، ومن ثم التخطيط لقتله.
لقد كان حبس الإمام ثقيلاً حتى على أتباع الرشيد وعمّاله. فقد كانوا يرون قرابته من رسول الله [ص] من جهة، ومن جهة أخرى يرون قضاء وقت سجنه في العبادة والتهجد وذكر الله، وهي إمارات لا تشير إلى سعيه ونيته في إزاحة الخليفة عن منصبه كما كان الخليفة يُفهم عمّاله. فلم يجسروا على تلبية طلب الخليفة في سفك دمه، ليتحملوا وزراً عظيماً يحاسبون عليه أشد الحساب يوم القيامة. فاضطر الرشيد في نهاية المطاف الى تسليمه الى من أعرب عن استعداده في تحمل هكذا وزر، فتولى أمر حبسه السندي بن شاهك، وأخذ يخطط لقتله، فدس له السم في التمر، ومضى الإمام على أثرها الى ربه شهيداً مظلوماً.
قد تأكد خبر قتله بالسم بشهادة شهود، جاؤوا الإمام وهو يحتضر، كما نقل ذلك كثير من المؤرخين في الكافي والمناقب وبحار الأنوار.
ويحدثنا التاريخ عن بعض المواجهات التي حصلت للإمام مع الرشيد وهو في السجن، وبعض الرسائل. فقد كتب إليه الإمام مرة رسالة مختصرة دالة في معانيها: "إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نفضي جميعاً الى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون".
ثم دفن الإمام [ع] في مكانه المعروف اليوم، بمدينة الكاظمية، التي سميت تبركاً بلقبه الشريف، والتي كانت تعرف قديماً بمقبرة قريش. ومرقده الآن صرح يناطح السماء علوّا ورفعة، وهو وعد الله للمؤمنين بنصره في الحياة الدنيا وفي الآخرة: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)(سورة غافر/51)
وهو الآن مزار شريف يقصده المؤمنون من أنحاء الأرض، وباب منه يرد المذنبون طلباً للمغفرة، ويدخل المستغيثون بالله طلباً لقضاء الحاجة، لعلمهم أن الحاجة لا ترد عند باب موسى الكاظم، حتى شاع لقب "باب الحوائج" وطغى على بقية ألقابه بين عامة الناس، لكثرة من قصده وقضيت حاجته.
لقد عرف القاصي والداني ماذا كانت تعني مدرسة الإمام جعفر الصادق [ع] -والد الإمام الكاظم [ع]- بالنسبة للتاريخ والإنسانية. لقد مثلت قفزة في التاريخ، ونقلة من حيث الكم والنوع في رحاب طلب العلم والتوسع في آفاق الفكر بشكل عام.
قام الإمام الصادق ببناء صرح جامعته الكبرى في وقت انشغلت فيه المنطقة بصراعات سياسية بين الجناح الأموي والجناح العباسي، والتي آلت فيما بعد الى انقضاء عهد الحكم الأموي ونشوء العهد العباسي. وحتى في بداية نشوء الحكم العباسي الفتي، كان الحاكم العباسي مشغولا بتصفية خصومه وترسيخ بناء الدولة الجديدة؛ وهو أمر استثمره الإمام الصادق [ع] في بناء صرح مدرسته الفكرية.
تخرج من مدرسة الإمام الصادق [ع] حوالي 4000 إنسان، كل يقول "حدثني جعفر بن محمد"، كما تنقل لنا كتاب التاريخ هذا بأمانة، ومن أقطاب من تخرج من هذه المدرسة الفكرية بعض من أئمة المذاهب الأربعة التي يعتمدها المسلمون الى يومنا هذا في مشارق الأرض ومغاربها في أخذ أحكامهم الدينية. وقد كانت بحق وباعتراف المؤرخين الصرح الفكري الذي أحيا كتاب المسلمين الخالد القرآن الكريم وسنة رسول الله [ص].
إن اعتقاد الشيعة الإمامية في الإمام الصادق [ع] ليس اعتقادا تقليدياً. فهو ليس فقيهاً كسائر الفقهاء تعلم علومه بالطريقة التقليدية المألوفة، لكنه –برأيهم- امتداد الرسالة التي جاء بها الرسول الكريم محمد [ص] وهو إمام مفترض الطاعة منصوص عليه من قبل النبي [ص] بأمر الله. وهو معصوم يؤدي عن الرسول الأمانة التي أوكلت إليه بعد وفاته.
وعليه، فنحن لا نستغرب من غزارة علمه وتوسعه في ميادين الفكر والمعرفة، كما يستغرب من لا يعتقد بإمامته التي هي منصب إلهي، لأننا نعتقد أنه مسدد من قبل الله لضرورة اكتمال الحجة على الناس.
فلم تكن هذه المدرسة تعطي دروسها في الفقه والتفسير والحديث فحسب، بل تجاوزتها الى علوم طبيعية نسميها اليوم الكيمياء والفيزياء والأحياء وغيرها. واصل الصادق [ع] قيادة مدرسته حتى نهاية حياته الشريفة، ثم آلت القيادة الى ولده الإمام موسى بن جعفر [ع]، فواصل إلقاء الدروس ونشر الفكر المحمدي على تلامذته، وقد عدّ الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه (حياة الإمام موسى بن جعفر [ع]) أكثر من ثلاثمائة طالب أخذ عنه العلم.
بقي الأمر على هذا الحال في الشطر الأول من إمامته [ع]، وخاصة أيام الخليفة المنصور الذي أظهر له جانب المهادنة كما أسلفنا في بداية البحث، بيد أنه في عهد التالين من الخلفاء وخاصة هارون الرشيد، انحسر نشاط الإمام [ع] من جراء المضايقات التي فرضتها السلطة الحاكمة والاعتقالات المتكررة للإمام.
أودع تراث الإمام موسى بن جعفر [ع] طلبته في كتبهم التي صنفوها وفي المباحث التي كتبوها، ثم نقلوها لغيرهم، وهي مودعة الآن في كتب الشيعة الكبرى، وهي المعين الذي يستقي منه طلبة العلوم الدينية والفكرية معارفهم.
قال [ع] مخاطبا أحد أصحابه وطلبته هشام بن الحكم: يا هشام، مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله.
يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول.
يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح [ع] في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيراً، قال: فكلّ طلقك؟ قالت: لا بل كلاّ قتلت. قال المسيح [ع]: فويح لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين.
وقال [ع]: المؤمن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه.
وقال [ع]: ليس حسن الجوار كف الأذى. ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى.
وقال [ع]: عونك للضعيف من أفضل الصدقة.