تبنى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الذي القاه يوم امس عملية ارسال طائرة بدون طيار حلقت فوق البحر لمئات الكيلومترات حتى وصلت الى صحراء النقب في جنوب فلسطين المحتلة، وهذا التبني هو رسالة تحد قوية الى الاسرائيليين بان الحرب المقبلة لو اندلعت ستكون مختلفة جدا.
انها عملية نوعية بكل المقاييس، فهذه هي المرة الاولى ومنذ ستين عاما تقريبا تخترق طائرة عربية مسلمة الاجواء الاسرائيلية وتتجاوز كل الرادارات الاسرائيلية، وتتجول بكل حرية قبل ان تتمكن الطائرات الاسرائيلية المتطورة جدا من اسقاطها.
مثل هذا الاختراق الكبير ما كان له ان يتم، وبالصورة التي رأيناها لولا وجود عقول جبارة تقف خلفه الامر الذي اثار قلق الاسرائيليين، وسيثير قلقهم اكثر خاصة ان هذه الطائرة جرى تركيبها من قبل سلاح الجو التابع للحزب داخل الاراضي الايرانية.
لعلها احدى المفاجآت التي تحدث عنها السيد نصر الله في خطاباته السابقة، ولا بد ان هناك مفاجآت اخرى لا نعرف كنهها وتعتبر من الاسرار الاستراتيجية للحزب، ولا بد انها ستفاجئ الاسرائيليين في المستقبل القريب مثلما فاجأتهم الصواريخ التي هطلت على العمق الاسرائيلي مثل المطر، او نظيراتها التي حطمت اسطورة دبابة 'الميركافا' فخر الصناعة العسكرية الاسرائيلية اثناء حرب تموز عام 2006.
ان هذه الطائرة هي فخر للبنانيين مثلما هي فخر للعرب والمسلمين جميعا، لانها تكشف عن مقدرة هؤلاء جميعا على اقتحام عالم التكنولوجيا العسكرية، ومضاهاة الاسرائيليين بل والتفوق عليهم، وهم المدعومون من الولايات المتحدة، التي توفر لهم كل الاسرار العسكرية اللازمة لتطوير صناعاتهم العسكرية.
السيد حسن نصر الله يتمتع بمصداقية عالية، ولا يتحدث الا من منطق قوة، واعتمادا على معلومات وحقائق يتم اثباتها على الارض، وهذا ما حدث عندما بشر الامة الاسلامية بضرب بارجة اسرائيلية ترابط امام السواحل اللبنانية بصاروخ متطور، وقال انظروا الى البحر انها ستُضرب الآن، وقد صدقت اقواله، وكان هذا الصاروخ هو احد ابرز مفاجآت حرب تموز (يوليو) عام 2006.
كنا نتمنى لو ان دولا عربية، خاصة من تلك التي تنفق مئات المليارات على شراء اسلحة امريكية واوروبية هي التي صنعت مثل هذه الطائرة، وهي التي اطلقتها حاملة رسالة الى اسرائيل بان العرب لم ينسوا القدس، ولا يمكن ان يقبلوا باحتلال المسجد الاقصى، ولكن هذا لم يحدث للاسف، وجاءت هذه الطائرة من ابداع العقل الايراني.
نعرف الرد الاسرائيلي الاول على وصول هذه الطائرة الى بضعة كيلومترات من مفاعل ديمونا النووي الاسرائيلي،عندما جرى نصب قبة حديدية من الصواريخ قرب مدينة حيفا احتياطا، ولكننا لا نعرف كيف سيكون رد الفعل الابعد، فهل سيتأتى بشن عدوان جديد على جنوب لبنان، ام ان نتنياهو سيبتلع هذا الاختراق المهين بحجة انشغاله بالانتخابات البرلمانية العامة؟
المنطقة العربية تتغير، واسرائيل لم تعد القوة الوحيدة المهيمنة، ولو كانت كذلك لما ترددت لحظة في قصف المنشآت النووية الايرانية، تماما مثلما فعلت عندما قصفت المفاعل النووي العراقي اوزيراك عام 1981، او عندما دمرت المفاعل النووي السوري الوليد قرب دير الزور.
من حق السيد نصر الله ان يتباهى بهذا الانجاز العسكري الكبير والمفاجئ، ويربك الحسابات الاسرائيلية في زمن نسي فيه الكثيرون اسرائيل والقدس المحتلة، بل وبدأ البعض ينظر اليها كصديق.
المصدر: افتتاحية صحيفة القدس العربي