عمر نشابة
تتطلب المحاكمات العادلة احترام الحدّ الأدنى من التوازن بين فريق الادّعاء من جهة وبين فريق الدفاع من جهة ثانية، غير أن الحال لا تبدو كذلك في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث يحرم الدفاع من الموارد الكافية للقيام بواجباته. واللافت دخول واشنطن على خطّ تعطيل الحقّ البديهي لكلّ متّهم بمحامين يرافعون عنه تحت قوس المحكمة.
ظهرت أخيراً سلسلة من الإشارات تدلّ على حاجة الادعاء العام الى إضعاف إمكانيات فريق الدفاع في المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ بدا أن المحامين الذين كان قد كلّفهم مكتب الدفاع بالمرافعة عن الرجال الأربعة، المنتسبين الى حزب الله، والمتهمين بالضلوع في الجريمة، قادرون على ردّه إذا تأمنت لهم الموارد البشرية والمادية الكافية. فتبيّن أن الادلة التي استند اليها قرار الاتهام قابلة لنسف صدقيتها، والربط بينها يعاني من خلل قابل للانكشاف تحت قوس المحكمة. وليتمكن من إتمام المهمات بدقة، استعان الدفاع بعدد من العناصر، منها الاعتماد على الكفاءة الاستثنائية والخبرة الطويلة لمحامين دوليين من بينهم أنطوان قرقماز وجون جونز ويوجين اوسوليفان وفنسان كورسيل لابروس ودايفد يونغ، والاستعانة بالبروفسور الفرنسي العريق في القانون الدولي رافاييل ميزون. وتمكن الدفاع حتى الآن من التقدم بطعن في شرعية إنشاء المحكمة الدولية، والتشكيك في عدالة إجراءات المحاكمات الغيابية التي تقرّر السير بها، وصولاً إلى تمكنه المحتمل من نسف القرار الاتهامي برمّته. استدعى ذلك، على ما بدا، تحركات طارئة لإضعاف الدفاع، تخللها تدخل أميركي لكفّ يد أحد المحامين ومنع مستشار الدفاع من الحضور من جهة، وإخضاع قرار الاتهام لعملية تجميل لإخفاء عوراته ولتدعيمه بمزيد من «الأدلة».
كفّ يد المحامي
أصدرت وزارة الخزانة الاميركية يوم 13 الجاري قراراً يمنع بموجبه أي شخص يحمل الجنسية الأميركية من إقامة أي نوع من العلاقات ومن القيام بأي عمل قد يستفيد منه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والقياديان في المقاومة مصطفى بدر الدين وطلال حمية. وبينما تبيّن أن لا أثر يذكر لهذه «العقوبات» الاميركية على السيد نصرالله والقيادي حمية، بدا أن الهدف منها قد يكون منع أحد المحامين من الدفاع عن بدر الدين تحت قوس المحكمة الدولية.
المحاميان أنطوان قرقماز وجون جونز استدركا أخيراً أن لهذا القرار الاميركي أثراً على عدالة المحاكمات المنتظر أن تنطلق في آذار 2013، حيث إن أحدهما، (جونز) يحمل الجنسية الأميركية، وبالتالي فهو ممنوع من الاستمرار بوظيفته. وقد يشكل منع جونز من الدفاع عن بدر الدين خللاً في التوازن بين الدفاع وبين الادعاء الذي يعدّ ركيزة المحاكمات العادلة. أضف الى ذلك أن القرار الاميركي بفرض «عقوبات» على بدر الدين يعدّ تدخلاً في عملها، حيث إنه جاء بعد صدور قرار اتهامه عن المدعي العام الدولي وبعد إثبات قرقماز وجونز قدرتهما على دحض ذلك الاتهام، وقبل أشهر قليلة من بدء المحاكمات.
علّق جونز عمله منذ صدور القرار الأميركي خشية تعرّضه للملاحقة القضائية في الولايات المتحدة، وأودع المحاميان قرقماز وجونز مذكرة عاجلة الى رئيس المحكمة القاضي دايفد باراغوانث اقترحا من خلالها أن يطلب من السلطات الأميركية توضيحاً بشأن حقّ جونز بالدفاع عن بدر الدين. وإلى حين صدور تلك التوضيحات، سيغيب جونز عن جلسة غرفة الاستئناف التي ستنعقد يوم الاول من تشرين الاول المقبل للنظر في شرعية قيام المحكمة.
منع مستشار الدفاع
وفي إطار الاستعدادات لجلسة الاول من تشرين الاول، طلب قرقماز من باراغوانث حضور البروفسور رافاييل ميزون للاستفادة من خبرته الطويلة ومعرفته الدقيقة بالتشريعات والاصول، غير أن المدعي العام نورمان فاريل رفض أمس حضور ميزون، مدّعياً أن اختصاصه لا يمت بصلة إلى القضية المطروحة، ومعترضاً على لعبه دور المحامي المناوب بدلاً من جونز. وقد يشير تزامن صدور «العقوبات» الأميركية مع اعتراض الادعاء على حضور ميزون الى خطة مدبرة مسبقاً.
تعديل قرار الاتهام
لم ينجح فاريل في الحفاظ على سرية طلبه تعديل قرار الاتهام، حيث إن قاضي الاجراءات أمر بنشر طلب التعديل قبل بتّه، بعدما اعترض فريق الدفاع على «العمل في الظلام». وجاء في طلب التعديل (الصادر في 17 آب الفائت والذي لم ينشر إلا يوم أول من أمس)، أنه يهدف الى «توضيح الاتهامات وليس الى إضافة اتهامات جديدة»، وأن ذلك «لن يؤثر على حقوق المتهمين». غير أنه أعلن أنه سيضيف ضحية على لائحة الضحايا، وسيدرج دليلاً إضافياً على قائمة الادلة. وشرح فاريل أنه يريد تغيير بعض الفقرات في نصّ قرار الاتهام ليجعلها «مستندة الى أدلة لا إلى وقائع مادية». وادّعى فاريل أنه سيوثّق الربط بين المتهمين الاربعة وبين شبكات الاتصال الخمس التي يشير اليها القرار. لكنّ المدعي العام شدد على أن هذه التعديلات والإضافات لا تبرر تأجيل موعد انطلاق المحاكمات (حدده القاضي فرانسين بيوم 25 آذار 2013) بحجة أن الدفاع قد يحتاج الى مزيد من الوقت للتعامل معها، بل إنها «تساعد الدفاع» لأنها، بحسب فاريل، توضّح مرتكزات الاتهامات الموجهة للأشخاص الأربعة. نسف قرار الاتهام.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية