أكد البابا بنديكتوس السادس عشر على أن الشباب اللبناني هو رجاء ومستقبل لبنان، ودعا الشباب المسيحيين والمسلمين الى الاتحاد معاً وبناء بلدهم والشرق الأوسط برمته.
وشدد البابا في "لقاء الشبيبة" الذي عقد مساء اليوم في بكركي، على الا تدفع البطالة والأخطار الشباب لتجرع العسل المر للهجرة، مع الاغتراب والغربة من أجل مستقبل غير أكيد.
وتوجه الى الشبيبة القادمين من سوريا قائلا "أريد أن أقول لكم كم أقدر شجاعتكم، قولوا في بيوتكم، لعائلاتكم ولأصدقائكم، أن البابا لا ينساكم، قولوا من حولكم أن البابا حزين بسبب آلامكم وأتراحكم، ولا ينسى سوريا في صلواته وهمومه"، وأضاف أنه آن الأوان لكي يتحد المسلمون والمسيحيون من أجل إيقاف العنف والحروب.
ومن بعبدا، دعا البابا بنديكتوس السادس عشر اليوم شعوب الشرق الأوسط إلى "نبذ الإنتقام والإعتراف بالأخطاء، لأن الصفح وحده الذي يرسي الأسس الدائمة للمصالحة والسلام للجميع". ودعا البابا، في خطاب القاه أمام في القصر الجمهوري في بعبدا، الى منع "العنف الشفوي والجسدي".
وفي وقت تسود فيه اضطرابات في المنطقة لا سيما على صعيد الأزمة السورية والتظاهرات المنددة بالفيلم المسيء للإسلام، ركّز البابا في خطابه على الظروف الدينية والإجتماعية التي يمكن أن تشجع السلام في المنطقة. والقى الحبر الأعظم كلمته في القصر الجمهوري أمام مئات الشخصيات السياسية والدينية والثقافية اللبنانية. وتابع البابا بنديكتوس السادس عشر "في لبنان، المسيحية والإسلام يتعايشان في المكان نفسه منذ عقود، وغالباً ما يمكن رؤية ديانتين في العائلة نفسها واذا كان الأمر ممكناً في العائلة الواحدة، فلم لا يمكن أن ينطبق ذلك على مستوى كل المجتمع". كما قال البابا "إن خصوصية الشرق الأوسط قائمة على أساس الخليط العلماني لمكونات مختلفة"، مستعيداً فكرة التنوع والتسامح الديني التي هي محور "الإرشاد الرسولي" الذي وقعه البابا مساء أمس.
وتابع الحبر الأعظم "يجب بالتأكيد منع العنف الشفوي أو الجسدي، إنه يشكل على الدوام مساساً بالكرامة البشرية بالنسبة للمرتكب والضحية على حد سواء". وقال الحبر الأعظم إن "مجتمعاً تعددياً لا يقوم إلا بسبب الإحترام المتبادل والرغبة في الإعتراف بالآخر وبالحوار المستمر". ورأى البابا أن "تماسك المجتمع يؤمّن عبر الإحترام المستقر لكرامة كل شخص والمشاركة المسؤولة لكل إنسان، كل بحسب قدراته بإستعمال أفضل ما لديه، ولتوفير الديناميكية الضرورية لبناء وتعزيز السلام، يجب الرجوع بلا كلل لركائز الكائن البشري".
وشدد الحبر الأعظم على أنه "إذا كنا نريد السلام، فلندافع عن الحياة! هذا المنطق لا يستبعد الحرب والأعمال الإرهابية فقط، بل يراعي حياة الكائن البشري: الخليقة التي أرادها الله". وأكد البابا أن "هذه التأملات القليلة عن السلام والمجتمع وكرامة الإنسان وعن قيم الأسرة والحياة، وعن الحوار والتضامن لا يمكن أن تبقى مجرد مثل عليا معلنة، بل يمكن ويجب أن تعاش، نحن في لبنان وهنا يجب أن تعاش، لبنان مدعو الآن وقبل أي وقت مضى لأن يكون مثالاً". وأضاف البابا "إن البطالة والفقر والفساد والإدمان بمختلف أشكاله والإستغلال والإتجار بكل أصنافه والإرهاب، تسبب بإضعاف المقدرة البشرية".
سليمان يرحب بالبابا: لقد اتفقنا في لبنان على ضرورة تجنب التداعيات السلبية لما يحصل حولنا من أحداث
وسبق كلمة البابا، كلمة لرئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال سليمان رحب فيها بالحبر الأعظم وقال "نضع تجربتنا اللبنانية الفريدة تحت نظركم الكريم، وهي تجربة لم تنل منها الصعاب التي امتحنت إرادتنا بالعيش معاً خلال العقود المنصرمة، وإن كانت التحديات ما زالت تعترض مسيرتنا الوطنية في عالم متقلب ومتداخل".
وأضاف سليمان "من بين هذه التحديات، العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بكل مندرجاته، وثني إسرائيل عن خروقاتها وتهديداتها المتمادية ضد لبنان، ومواجهة خطر الإرهاب والدسائس والفتن والحؤول دون أي شكل من أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضينا". وتابع الرئيس اللبناني "لقد اتفقنا في لبنان على ضرورة تجنب التداعيات السلبية الممكنة لما يحصل حولنا من أحداث، وعلى تحييد بلادنا عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية درءاً للمخاطر وحرصاً منا على استقرارنا ووحدتنا الوطنية، من دون أن ننأى بنفسنا بطبيعة الحال، عن واجب التزام القضايا العربية المحقة وعلى رأسها قضية فلسطين وقرارات الشرعية الدولية وكل شأن إنساني".
وقال الرئيس اللبناني "من هنا إيلاؤنا كل اهتمام ورعاية ممكنة لعشرات آلاف النازحين السوريين الذين وفدوا إلى الأراضي اللبنانية نتيجة خوف أو حاجة أو ضيق، كذلك أعلنا منذ البدء أن لبنان يتمنى للشعوب العربية الشقيقة، وللشعب السوري بالذات ما تريده لنفسها من إصلاح وحرية وديموقراطية، وأن تتمكن من تحقيق مطالبها المشروعة بالطرق الحوارية والسياسية المناسبة، بعيداً عن أي شكل من أشكال العنف والإكراه".
وفي اليوم الثاني لزيارته إلى لبنان، التقى البابا بنديكتوس السادس عشر اليوم السبت الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي وكذلك رؤساء الطوائف في القصر الجمهوري في بعبدا.
وعند الساعة العاشرة وصل البابا الى القصر الجمهوري في بعبدا، واستقبلته جموع المواطنين المحتشدين على الطريق المؤدي إلى القصر الرئاسي. وأحاطت بالقصر تدابير أمنية مشددة جداً.
وبعد اجتماعه بالرؤساء التقى البابا مع رؤساء الطوائف . ويلتقي بعد ذلك أعضاء الحكومة ومؤسسات الدولة والهيئات الدبلوماسية ورؤساء الطوائف وممثلي الهيئات الثقافية. وظهراً يتناول البابا الغداء مع البطاركة والاساقفة واعضاء الجمعية الخاصة لمجمع الاساقفة من أجل الشرق الاوسط في مقر بطريركية الارمن الكاثوليك في بزمار، التي تبعد نحو 25 كلم عن العاصمة بيروت، قبل أن يلتقي الشبيبة بعد الظهر في ساحة مقر البطريركية المارونية في بكركي.
وكان البابا في اليوم الأول لزيارته يوم أمس "الارشاد الرسولي" الذي حمل عنوان "شركة وشهادة" ، داعياً فيه المسيحيين والمسلمين واليهود إلى "استئصال الاصولية الدينية" لكونها تشكل تهديداً يطال كل الأديان. ويتضمن الارشاد الرسولي توصيات السينودوس حول الشرق الاوسط الذي عقد في تشرين الاول/اكتوبر 2010 في الفاتيكان، وقد وقعه البابا في كنيسة القديس بولس في حريصاً (شمال بيروت) الملاصقة للسفارة البابوية حيث مقر اقامته خلال الزيارة التي تستغرق ثلاثة أيام.
المصدر: وكالات