لقد أحدثت قمّة حركة عدم الإنحياز في طهران الأسبوع الماضي تطوّراً هامّاً جدّاً على صعيد الأحداث في العالم.
ولم يكن ذلك بسبب العدد الكبير للدول المشاركة في القمّة فقط ، ولا بسبب المسؤولين رفيعي المستوى الذين حضروها (فقد شارك في القمة أكثر من 130 دولة، بالإضافة إلى حضور أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة)، وكان بينهم عدد من الشخصيات الفاعلة كأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون مع أبرز معاونيه، والرئيس المصري محمّد مرسي، ورئيس الوزراء الهندي وغيرهم من المبعوثين والوفود الدولية، بل كان السبب أيضاً هو أن الحدث بمجمله أسهم بخلق عهد جديد في سياسة العالم وبالتالي في توازن العالم ما يذكّرنا بالماضي وخاصّة بأيام الأنظمة المتعدّدة الأقطاب والثنائية الأقطاب.
وعلى صعيد آخر، استطاعت قمّة دول عدم الإنحياز تحقيق عدد من الأهداف الهامّة التي كانت شبه مستحيلة قبل عدّة سنوات عندما كانت أصداء التدخل الاميركي تتردّد بصوت عال في أرجاء المنطقة.
وفي محاولة لذكر حسنات القمّة ومعظم النتائج التي حققها نجاحها، بوسعنا الحديث عن النقاط التالية:
1. أرسلت إيران رسالةً غايةً في القوة تناولت فيها إخفاقات خطط العزل والسياسات الأميركية والغربية القديمة منها والجديدة. وبالمقابل، استطاعت الجمهورية الإسلامية إظهار مدى نجاح سياستها في تحويل العقوبات ومحاولات عزل دور إيران إلى مستوى ثانوي وهامشي.
2. ومجرّد الإتفاق الذي نتج عن القمّة كان كفيلاً بتحقيق تقدّم ملحوظ في محاولة العالم خلق منطقة مستقلّة عن تأثير المحور الغربي.
3. وقد أثبتت إيران ودول حركة عدم الإنحياز نجاحها في تناول المشاكل والأزمات العالمية بحسب أجندتها الخاصة، كما واستطاعت معالجة المسائل والقضايا التي لطالما سعى الغرب وبالأخص الولايات المتحدة إلى الهيمنة عليها ومعالجتها وفقاً للمخططات الأميركية.
4. وتمكّنت دول عدم الإنحياز من منح الكثير من الدول والشعوب الأمل بأن مجموعات جديدة ستنشأ، وأن المجموعات القديمة قد تجدّد رؤيتها لتضطلع بأدوار قد تعيد التوازن إلى المشهد العالمي. وكان هذا واضحاً جداً من خلال معالجة اثنتين من القضايا الساخنة، وهما الأزمة السورية والقضية الفلسطينية. فبالنسبة للأولى، أعادت الحركة التأكيد على الحاجة إلى حلّ سياسيّ بعيداً عن التدخل الخارجي أو الخيارات العسكرية، ويندرج هذا الحل ضمن النموذج المتوقع والأكثر إلحاحاً من قبل اللاعبين المناطقيين والدوليين الأساسيين كإيران وروسيا والصين وغيرهم.
وفي ما يخصّ القضية الفلسطينية، نجحت قمّة عدم الإنحياز في إعادة القضية الفلسطينية إلى سياق البحث، وذلك عبر إعادة تعريف طبيعة الصراع بين القوة المحتلّة وبين أصحاب الأرض الذين باتت أرضهم ومواردهم وتاريخهم وهويتهم مغتصبة ومسروقة.
وبالمجمل، فإن العالم اليوم متّجه نحو نقطة زمنيّة مفصليّة، تستبدل فيها القوى العظمى السابقة والقديمة بقوى جديدة، أو على الأقلّ لن تبقى قبضتها على شؤون العالم حازمة ، الأمر الذي يفسح المجال أمام القوى الجديدة للمشاركة وممارسة نفوذها في ما يتعلّق بشؤون السياسة العالمية. وتندرج قمّة دول حركة عدم الإنحياز ضمن هذا البرنامج، وكذلك هي الحال بالنسبة لدول "البريكس"، إلا أنّ هذه ليست إلّا البداية، أما التطورات الجدّية والصعبة فلم يحن وقت الكشف عنها ولكنها ستعرف في المستقبل القريب.
الدكتور إبراهيم الموسوي محلّل سياسي ومسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله.