الحجاب بين الواجب الشرعي والموضة

الحجاب بين الواجب الشرعي والموضة

لا شكّ في أنّ الحجاب ـ بمعنى اللّباس الساتر لجسد المرأة، بما فيه شعرها ـ كان منتشراً أكثر مما هو عليه الآن، ولكن فترة الستينيّات من القرن الماضي، بدأت تشهد موجةً من التبرّج ونزع الحجاب، وبتنا نرى اليوم في كلّ الأماكن "انتشاراً" لموضة جديدة من الحجاب..

البعض من الفتيات ينظرن إلى موضة الحجاب الجديد على أنّها تجمع بين الالتزام الشّرعيّ بالحجاب وبين أناقتهنّ وانفتاحهنّ على العصر. فهل نحن اليوم أمام تراجع حركة الالتزام بالحجاب من قِبَل الأجيال الصّاعدة؟ وهل يقوم الأهل بالدّور التّوعويّ المطلوب لإرشاد بناتهنّ وتوجيههنّ إلى الهدف من الحجاب وفوائده؟

وقد قمنا بهذا التّحقيق لتسليط الضّوء على الموضوع أكثر، فبالنّسبة إلى النّظرة الشّرعيّة للحجاب وما يتعلّق به، يقول سماحة السيّد جعفر فضل الله: إنّ مصطلح الحجاب في الدّلالة على اللّباس الّتي أرادته الشّريعة الإسلاميّة، ليس مصطلحاً أصيلاً، بل جرى الإسلام في مسألة اللّباس مجرىً تصحيحيّاً، فتناول القرآن الكريم مسألة الخمار، وتغطية منطقة الصّدر، وأن لا تتبرّج النّساء تبرّج الجاهليّة الأولى، والّذي يستبطن هذا الظّهور الصّارخ للمرأة في المجتمع.

والقاعدة الّتي تنطلق منها الشّريعة في مسألة اللّباس، هي أن يكون بعيداً عن جانب الغريزة، حتّى تبرز إلى المجتمع كإنسان، وقد أبيح للمرأة كشق الوجه واليدين، إضافةً إلى القدمين (فيما دون الكاحل). وباللّغة الفقهيّة ـ يتابع السيد جعفر فضل الله ـ نقول إنّ على المرأة أن تستر جسدها عن النّاس ما عدا الوجه والكفّين والقدمين، وأن لا يكون اللّباس ضيّقاً بحيث يحاكي مفاتن الجسد..

وبالنّسبة إلى الحجاب العصريّ المنتشر في الآونة الأخيرة، فإنّها ـ بحسب السيّد جعفر فضل الله ـ تحقّق الجانب الشّكليّ من الحجاب.. فالمشكلة تكمن في ضرورة أن يجري الفصل في الذهنيّة العامّة بين مفهومي الإثارة والأناقة، لأنّ عالم الإثارة يرتبط بجملة مؤثّرات لا توفّرها المرأة في بروزها الطّبيعيّ في المجتمع...

لذلك، يجب أن نحدّد معايير واضحة، لأنّ كثيراً من الفتيات قد تعشن عقدة في هذا المجال، وربما يكون لجوؤهنّ إلى هذا النّوع من الحجاب، نوعاً من التّسوية التي تحاول فيها الفتاة أن تجمع بين حبّ البروز والالتزام الشّكليّ بالحجاب، مع بعض الخلط في المعايير، في ما فرضته الشّريعة في هذه المسألة، لأنّ ثمة جهلاً كبيراً في هذا المجال، لذا نراهنّ يخلطن بين ما يجوز وما لا يجوز...

والحجاب قد يحمل مضموناً سياسيّاً عندما يجري تنميطه شكلاً ولوناً، ولكنّ المسألة متحرّكة باختلاف الجغرافيا. والحجاب في لبنان منفتح شكلاً ولوناً حتّى ضمن المعايير الشرعيّة، ولا أعتقد أنّ ثمة مشكلة فعليّة في هذا الاتجاه. كما يجب على الأهل خصوصاً، أن يبيّنوا لبناتهم القاعدة الّتي يرتكز عليها الحجاب لتقوية التزامهنّ، كما ينبغي لنا أن نعرف كيف يفكّرن، وأن نحاول أن ننفذ إلى عقولهنّ ونجيب عن تساؤلاتهنّ..

وختاماً، يقول السيّد جعفر فضل الله: إنّ الحجاب العصريّ يحقّق جانب ستر البشرة، ولكنّه لا يحقّق ستر المفاتن، وهي عمق مفهوم الحجاب...

وأمّا من قمن بالتّصريح عن آرائهنّ حول الحجاب فقُلْنَ:

لماذا لا يكون هناك تحديد أكثر لعمل هؤلاء الفتيات، وإلا يبقين مجرد أسماء

"مريم": في رأيي، إنّ أجمل ما في الحجاب هو سموّه بالمرأة من أداة إلى إنسانة، مع الحفاظ على أنوثتها بشكلٍ يضفي على دورها في مجالات عملها الاحترام واللّيونة واللّباقة. والملاحظ أنّ الإنسان كلّما تقدم في مجال الحضارة، تقدّم في ستر جسده أكثر، هذا ما لاحظناه عبر التّاريخ. أمّا ما نشهده الآن، فهو تقدّم تقنيّ وتكنولوجيّ وتراجع أخلاقيّ، وما يسمّى بالموضة، فإنّ الرسول(ص) قال: "خير لباس المرء لباس أهل زمانه".. لكن بوجود محجّبات قادرات على الجمع بين الأناقة والالتزام، فإنّ هذا يقطع الطّريق على اللّواتي يتحجّجن بأنّ الحجاب لا يماشي الموضة، ولو فرضنا أنّ الحجاب لا يماشي الموضة، فإنّه يماشي تعاليم ربّ العالمين الّذي هو من سنّ القوانين بحكمة متناهية...

واليوم، الحجاب الرّائج قد يكون من الصّعب أن ينطبق عليه مفهوم الحجاب، لأنّه مجرّد قطعة قماش مزركشة توضع على الرّأس، وهذا يهين المحجّبة وغير المحجّبة. وختاماً، الحجاب إن لم يكن حجاباً عن المعاصي ووسيلةً لنشر العفّة والتّقوى في المجتمع، فليس حجاباً...

"سهام" تقول من جهتها: إنّ الحجاب ليس عائقاً، ويمكنه أن يجاري الموضة إذا توفّرت فيه شروط الحجاب.. المرأة اليوم أصبحت عاملةً ونشيطةً تمتهن أحياناً مهناً تتطلّب السّرعة والجري، واستعمال وسائل النّقل كالباص والميترو، إلى غير ذلك، ويجب أن ترتدي ثياباً لا تبرز مفاتنها وتساعدها ولا تعيق حركتها...

"مروة": أنا من أشدّ المنتقدين لما يعرف بالحجاب الحديث، أو بالحجاب الموضة، فطريقة وضع الحجاب بالشّكل الحديث، أصبحت مجرّد مسايرة للموضة الموجودة وليست قناعةً بالحجاب وما يعنيه. وفي رأيي، الكثير من الفتيات يرتدينه لأنّه يعجبهنّ "موديله"، فاليوم ترى الكثير من الموديلات الملفتة. وعندي أيضاً نقطة أخرى في مسألة الحجاب، وهي متعلّقة بالفتيات اللّواتي يرتدين الزّيّ الشّرعيّ، ولكن أيضاً لا يرتدين الزّيّ إلا مع "الإشارب" الحرير، والّذي يكون باهظ الثّمن، وأحياناً يلفت النّظر أكثر من المناديل المنفوخة. للأسف، الحجاب بدأ شيئاً فشيئاً يُجرَّد من أهدافه وصورته الحقيقيّة، وهي أن تخرج المرأة إلى المجتمع كإنسانٍ وليس كأنثى...

"أمال": أنا محجّبة منذ خمس سنوات وليس من سنّ التّكليف، وكنت أخاف من الحجاب لأنّه لم يكن يليق لي وقتها، والآن أنا مرتاحة به، ولا أجد فيه مشكلة مع أنّي أعيش في ألمانيا، ويوجد كثير من الأماكن لا أستطيع الذّهاب إليها، وكذلك الكثير من الجلسات لا يمكنني حضورها احتراماً لحرمة حجابي. وأنا أعرف أنّ الحجاب مهمّ جداً للمرأة، ويعطيها الأمان في المجتمع، ويحميها من أمور هي بغنى عن التعرّض لها. وبصراحة، ما شجعني أكثر على الحجاب، أنّه في الفترة الأخيرة، صار هناك الكثير من الثّياب الجميلة للمرأة المحجّبة، وهي ثياب تستر مفاتنها بالطّبع، وأنا ضدّ فكرة الحجاب المودرن الّذي نراه، بل إنّي مع أن تحافظ المرأة على أناقتها وجمالها، بإبرازهما ضمن ضوابط وحدود دون أن تخرج عن حشمة الحجاب...

شكرا كثير على هالموضوع
المهم جدا

العفو
بتشكرك على متعبعتكي لموضوعات والمشاركه فيه

حفظكي الله